
منذ فترة وجيزة أصبحنا نشاهد جرائم قتل النساء بشكل متتالي، كجريمة قطع الرأس، أو التعرض لعدة طعنات السكاكين في وسط الشوارع والدهاليز، وتصويب الرصاص وإفراغه في أدمغة النساء، والعيون التي تعمى وتتشوه من الضرب والتعذيب البدني واستعمال أشد أنواع العنف ضد الأطفال أمام ناظر الأمهات.
أي أن الحناجر التي تمر عبرها أنفاس الحياة التي تعتبر من الشهيق والزفير باتت تخنق وتُوسد بأيديها، إلى جانب هذا فقد أصبح انتهاك حقوق المرأة وكرامتها ظاهرة منتشرة في كافة أنحاء العالم، فالعنف ضد المرأة لا يعرف حدود جغرافية أو حضارية ولا يقتصر على مجتمعات معينة بل ينتشر في مختلف الطبقات الأجتماعية.
ومن الأمثلة البارزة لهذه الظاهرة:
كتعرض الفتيات البلغاريات اللواتي قمن بزيارة تركيا للاحتفال بمناسبة عيد رأس السنة الجديدة لهجوم وعنف شلة من المجرمين، وهجوم مجموعة من الرجال على ممرضة وأغتصابها عندما كانت تخرج من مؤسسة الضمانات الأجتماعية في ساحة أوك ميدان وهي ترجع إلى بيتها. والمرأة التي تعرضت لعدة طعنات السكين وقتلها في وسط الشارع من قبل قريبها في منطقة أورفا. والفتاة الشابة التي قطع رأسها في أستانبول من قبل أخاها، وما شابه ذلك من أنواع الجرائم والجنايات التي ترتكب بحق المرأة. فكيف سنعطي المعنى للحياة في مجتمع تتعرض فيه النساء إلى العنف والاعتداء والأنتحار وقتل ما يزيد على الأربعين من النسوى في كل شهر أو فترة وجيزة من الزمن.
كقتل الأم والأخت والطفلة والزوجة، والاعتداء البدني والنفسي الذي يقع على النسوى في الداخل والخارج، والتحرش والإهانة والتلطيش العام ابتداء من اللمس والنظر والكلام البذيء وإنتهاءاً بالاغتصاب. فكيف ستعاش الحياة في مكان لا يخلو من الرجال الذين يغتصبون النساء وينتهكون عرضهم كل يوم. ففي عالم معرض لشتى أنواع التعذيب البربري ووحشية الجلادين والقتلة، وفي أسرة لا تخلو من الإعتداء والضرب الذي تحول إلى حالة من الإدمان الدائم كيف سنعطي المعنى لكينونة المرأة والفتاة الشابة والطفلة الصغيرة؟. فالحياة هي عبارة عن تسميم الأنفاس التي تشهقها النساء والأطفال والفتيات المحرمات من حقوقهم وكرامتهم الإنسانية في هذا العالم الذي يتسم بالحداثة وعصر الاتصالات والتطورات الفائقة. مع صعوبة التخيل بخروج إحدى الفتيات إلى الشارع أو السوق لوحدها بسبب العنف والاعتداء الذي تواجهه في كافة مجالات الحياة.
علاوة على هذا ففي كل يوم نجد في كواليس وزوايا إحدى البيوت المظلمة والرطبة نساء معلقات بالحبال، بسكينة وسرية تامة ودون إطلاق أية صرخة أو آهة مؤلمة تدحرج الكرسي برؤوس أصابعها المتوترة وترحب بحبلها الملفوف حول عنقها.
وفي كل ليلة تتعرض لأشد أشكال الإهانة والعنف والاغتصاب وأشنع أنواع الانحرافات الجنسية داخل حدود أسرتها و من أقربائها والمسؤولين عنها كالزوج والأخ والصديق وما شابه ذلك.
دون إصدار أية صوت أو شكاية نحو هذا الظلم والتعذيب المستمر، ولا يحق لها مشاركة معاناتها وآلامها مع أي فرد آخر، لأنها لا تُقدر من الناحية العاطفية والروحية ولا يوجد لها أي إعتبار لوجودها الإنساني ولكرامتها وغرورها وكيانها الذاتي.
ففي مجتمع مريض يحتوي في أحشائه على نسبة 2/3 من النساء والأطفال والشابات، متى سنعلن عن ضرورة النقاش على هذه المعاناة التي يلاقونها؟
وكيف سنساهم في الحصول على الأولوية لهذه الظاهرة المنتشرة في كافة مجتمعاتنا البشرية ؟
ومتى سنعالج كوارث هذا النظام الذي عُقد على أرضية اللامساواة ومفاهيم التمييز الجنسي ضد هذه النسبة الكبيرة من النساء والأطفال؟
ومتى سنبدأ بتكريس الحلول الصائبة والجذرية لهذا المجتمع ؟ دون غض النظر عن الحقيقة المحرقة لقرن الحادي والعشرين الذي يتسم بعصر العلم والحداثة، لأن هذه الحقيقة تشير لنا بأن كافة مجالات الحياة الأجتماعية وأماكن العمل ومؤسسة العائلة قد تحولوا إلى وسائل وآليات فعالة لتعذيب المرأة، لهذا فمن الواجب أن نعطي الأولوية لهذه المواضيع وأن نعين قسطاً وفيراً من أوقاتنا للنقاش على هذه المسائل، ونسعى لإيجاد الوسائل والسبل الصحيحة للمكافحة والتصدي ضد هذا التعذيب والعنف الذي يمارس بحق المرأة.
ومن دون الانتظار وإضاعة الوقت يجب علينا أن نقوم بفضح وتشهير عيوب الحياة التي تتمحور حول هذا النظام الذي أصبح فيه النساء والأطفال عرضة للتعذيب والقتل في وسط الشوارع والانتحار والاغتصاب السري والعلني. وأن نتابع هذه الإجراءات عن كثب ونقوم بترسيخ حركة منظمة ومستمرة في هذا المضمار، دون الإكتفاء والتخفيض من وتيرة كفاحنا، لأن الكثيرين من الذين ينفعلون ضد هذه الجنايات والجرائم التي تحتوي على القتل والاغتصاب، يرفعون أصواتهم واحتجاجاتهم بردود فعل لحظية وغير مستقرة، أي بعد فترة من المناقشات والمعارضات ضد هذه الظواهر نرى بأن شعاراتهم وانفعالاتهم تتبخر وتتعرض للنسيان والتذبذب والرجوع إلى أحوالهم العادية والحياة الروتينية.
لهذا يجب ان نتقرب بحذر وانتباه ويقظة تامة نحو المواقف المتطرفة والفئات المنتفعة التي تتطفل على مشكلة المرأة عبر الممرات السياسية والذرائع المغرية التي تسعى إلى الإستفادة من المناقشات والإجراءات التي تتطور ضمن حركة المرأة ومعاناتها الإنسانية. لهذا فعلى الجميع أن يعلموا بأن مشكلة المرأة هي مشكلة الإنسانية والمجتمع بحد ذاته، لأن المجتمع الذي نحيا فيه يتحول إلى مجتمع غاصب مع مرور الزمن، وأثناء البحث عن مسبب هذه الظاهرة يجب أن لا نكتفي بإلقاء الذنب والعتب على حوافز وآليات عصرنا الراهن فقط. بل أن نسلط الأضواء على محتويات هذا العصر الذي يدعي بأنه من أكثر العصور التي تحتوي على شروط وظروف مساعدة لضمان القيم الديمقراطية والحقوق الإنسانية، وان نكافح ونتصدى بجسارة وشجاعة واعية ضد هذه السخريات والسخافات البالية.
فا بالتغيير والتوسع المحدود الذي يحصل في البنيان العليا للمجتمع، كيف سنعالج مشاكل هذا النظام الذي يسقي ويغذي أرضية العنف والتعذيب من الناحية الإقتصادية والذهنية؟
وبأي معنى سنعبر عن ألام هذه الظاهرة؟
ألا يحق لنا أن نقيس وزن وثقل ادعاءات الدولة صوب ديمقراطية الحقوق والسياسة ضمن هذا المجتمع المريض في مواجهة جنايات العرف والعادات البالية، وعقدة البطالة ومستنقع الزنا والفحوش ومتاعب الجهالة وعدم توفير فرص التعليم؟
ألا نعلم بأنه حتى الدول الأوروبية التي تدعي بتفوقها العالي في دمقرطة مجتمعاتها، بأن ظاهرة انتحار النساء والقتل والضرب والتحرش والاغتصاب على الأطفال والفحوش والإهانة منتشرة بنفس المعيار والدرجة في كافة مجتمعاتها؟
ففي هذا الحال لا نجد أي فرق بين النساء الأمريكيات اللواتي أقدمن على بيع أجسادهن والنساء الإيرانيات اللواتي يتعرضن للطرد والرجم بالحجارة والقتل والتعذيب بسبب أقترافهم ذنوباً أخلاقية مشابهة سعياً وراء كسب لقمة العيش وأماكن مناسبة للإيواء فيها، وبين إمرأة عراقية قُطع رأسها لأنها لم تحجب شعرها وهي ذاهبة إلى البقال لشراء رغيف من الخبز، وفتاة قتلت من قبل أخاها في بينغول بسبب لقاءاتها البريئة مع محبوبها، وفي باطمان الصبايا اللواتي يرحبن بحبال الموت بسبب الأزمات الخانقة والمعاناة التي يلاقونها من أمراض المجتمع وعاداته البالية.
فماذا سنفعل لأجل تنفس المرأة والأطفال؟





