سياسة الزلازل في سوريا- رؤوف كاراكوجان
سوريا أيضاً تأثّرت بالزلزال الذي ضرب مرعش في شمال كردستان في السادس من شباط الجاري، فقد خلّف الزلزال دماراً هائلاً وانهياراً كبيراً في المباني حتّى لو لم يكن بحجم الدمار الذي خلّفه في تركيا. وبالمقارنة مع حجم الكارثة، فقد كانت المساعدات محدودةً للغاية. وإلى جانب هذا فقد قامت حكومة دمشق في حلب ومرتزقة الاحتلال التركي في عفرين بمنع المساعدات ولم يسمحوا بإيصالها إلى المنكوبين الكرد. أمّا على صعيد العلاقات بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق فلم يتحقّق الحوار السياسي بين الطرفين حتّى في ظلّ كارثة الزلزال.
ويمكن القول إنّ إيصال المساعدات الإنسانيّة من الأمم المتّحدة والدول العربيّة في أعقاب الزلزال إلى سوريا والمنكوبين في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق سمح للأسد بالاسترخاء قليلاً. وبغضّ النظر عن أنّ الأمور لم تجرِ كما يُشاء لها أن تجري؛ إلّا أنّ كارثة الزلزال فعلت على صعيد العلاقات السوريّة مع العالم الخارجي؛ ما لم تستطع الدبلوماسيّة أن تفعله حتّى الآن.
التغلّب على عقبة إيران في التقارب بين الرياض ودمشق
إذا انطلقنا من علاقات العالم العربي مع سوريا؛ نجد أنّ المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات والأردن قد دخلوا في مرحلة التقارب رغم أنّ لديهم بعض المخاوف، وينبغي اعتبار ذلك تطوراً مهمّاً. إنّ الوجود الإيراني في سوريا يقلق ويزعج العديد من الأطراف. إنّه وضع لا يحتمله العديد من الأطراف لاسيما إسرائيل والولايات المتّحدة الأمريكيّة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربيّة. على الرغم من أنّ العلاقات بين طهران ودمشق تثير استياء العرب إلّا أنّها لا تُعتبر عقبةً كبيرةً أمام تطبيع العرب للعلاقات مع دمشق. ويمكن القول إنّ عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة لم يعد احتمالاً بعيد المنال. وبالرغم من المشاكل التي تعترض تطبيع العلاقات التي أُقيمت بفضل الزلزال وبغضّ النظر عن عدم التطبيع الكامل خلال فترةٍ قصيرة إلّا أنّ إنشاء قنوات للحوار يُنظر إليه على أنّه تأثير الزلزال على السياسة.
إنّ التوتّر بين الرياض ودمشق آخذٌ بالتقلّص لكنّ تحسين العلاقات المتعلّقة بشروط ووعود التحسين يتطلّب وقتاً. والاتفاقات بين دمشق وإيران ستشكّل عاملاً صعباً بالنسبة للعرب. وعلى الرغم من أنّ الرياض لديها شروط في العديد من القضايا، لاسيما المخاوف الأمنيّة إلّا أنّهم أعربوا عن رغبتهم بإدارة العلاقات مع سوريا على مستوى مختلف. هناك مقاربات مماثلة في الأردن أيضاً. وبهذا تظهر بوادر التطبيع مع سوريا من جهاتٍ مختلفة، كما تنتهج سوريا سياسة التقارب مع العرب بمهارة. يبدو أنّه تمّ التوصّل إلى رأيٍ يفيد بأنّه حان وقت التطبيع.
تأثير الزلزال على العلاقات بين تركيا وسوريا
غيّرت تركيا موقفها في السياسة السوريّة بشكلٍ مباشر ودخلت إلى مرحلة قبول ما لا تستطيع التغلّب عليه. تركيا مسؤولة عن كلّ قطرة دماء تُراق في سوريا وهي مجبرة على إحداث تغييرات في سياستها الخارجيّة حتّى لو لم ترغب بذلك. وتقاربها مع سوريا يعدّ أبرز مثال على هذا. وكنتيجةٍ لمبادرات الوساطة الروسيّة كان من المفترض أن تستمرّ الاجتماعات على المستوى الرئاسي بعد اجتماع الوفود في موسكو. لكنّ تحديد سوريا لشروطها أجّل هذا الاجتماع الرفيع المستوى. فقد طُلب من تركيا سحب قواتها من سوريا ووقف دعمها للجماعات الإرهابيّة. وبغضّ النظر عن مدى صعوبة ذلك بالنسبة لتركيا، إلّا أنّها تدرك أنّ لا خيار آخر أمامها سوى الانسحاب.
أثارت الاجتماعات بين روسيا وتركيا وسوريا جدلاً حول أنّها تعني استبعاد إيران العضوة في ثلاثيّة آستانا. وبحسب الشائعات، سيُعقد اجتماعٌ جديدٌ بين الوفدين التركي والسوري في موسكو بوساطة روسيّة، ومن المتوقّع انضمام إيران لهذه الاجتماعات. أي أنه سيكون اجتماعاً رباعيّاً هذه المرّة. سوريا لا تتخلّى عن شروطها والانسحاب من أراضيها هو شرطها الرئيس. وفي المقابل تقترب الانتخابات الرئاسيّة في تركيا يوماً بعد يوم، وعلى الرغم من أنّ احتمال شنّها لهجوم على روج آفا لم يُستبعد نهائيّاً إلّا أنّه تراجع إلى حدّ ما. كما يُعدّ إرسال الأمم المتّحدة للمساعدات إلى سوريا عبر تركيا تطوّراً مهمّاً في سياسة الزلازل في سوريا. فقد أدت كارثة الزلزال إلى اختراق الاتحاد الأوروبي للحصار المفروض على سوريا وهذا تطوّرٌ إيجابيّ بالنسبة لسوريا.
الرفض الأمريكي لسياسة منكوبي الزلزال
إلى متى ستحافظ سوريا على الجو الإيجابي الذي اكتسبته من الزلزال، هذا ما سيكشفه الوقت. والذين يشككون في كلّ هذه التطورات هما الولايات المتّحدة الأمريكيّة والإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا. فقد أعلنت الولايات المتّحدة الأمريكيّة منذ البداية أنّها لن تدعم العلاقات مع سوريا. وهي ملتزمة بموقفها هذا حتّى الآن، فأمريكا أيضاً ضدّ تقارب العرب مع دمشق والتقارب بين تركيا وسوريا. لكن في المرحلة الحاليّة وعلى الرغم من قانون قيصر والحصار الذي فرضته على سوريا فإنّ تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع الأسد وإرسالهم للمساعدات إلى سوريا، جعل الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحيدةً في سياستها حيال سوريا. ويبدو أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة منزعجة من هذا الوضع.
عرقلة حكومة دمشق للمساعدات المرسلة من قبل الإدارة الذاتيّة
لم يلقَ موقف الإدارة الذاتيّة ردّاً جديّاً في عملية السعي إلى الحوار. وإلى جانب، أنّ سياسة الزلزال تخلق آمالاً وتتيح فرصاً جديدة لسوريا لكنّها تخلق مشاكل جمّة للكرد. فحتّى المساعدات التي أرسلتها الإدارة الذاتيّة لمنكوبي الزلزال تمّت عرقلتها. كما يستمرّ الحصار المفروض على الكرد في حلب. وقد أعربت الإدارة الذاتيّة عن حساسيتها تجاه العلاقات مع حكومة دمشق مرّاتٍ عديدة، فقد أعلنت أنّ التقارب بين تركيا وسوريا سيضرّ بالمنطقة ويخلق صراعاتٍ جديدة مع الكرد. والوضع مماثل بالنسبة للعلاقات بين العرب ودمشق.
إنّ أفضل سياسة لمستقبل سوريا واستقرارها هو التفاوض مع الكرد والحل السياسي. وإذا كانت علاقات العالم الخارجي مع دمشق مبنيّة على مساعٍ قائمة على استبعاد الكرد، فلن يتحقّق الاستقرار السياسي المنشود في سوريا.
إنّ تأمين السلام الداخلي هو سبيل الحل في سوريا. وطريق الاتفاق مع العالم الخارجي يكون بالاتفاق مع الإدارة الذاتيّة. إنّ مستقبل الشعوب، ضمان الاستقرار السياسي يعتمدان على الجسر الذي سيُبنى بين دمشق والإدارة الذاتيّة. وإن لم يحدث ذلك فستشهد سوريا زلازل سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة.