
مقتطفات من كتاب الأديب وصناعته
أن الأدب اليوم مادة محددة مخصصة له . وهذه المادة هي تجربة الأنسان في العالم .
يقول سنتيانا: “أفهم من كلمة التجربة ذخرا من الحكمة يجمعه المرء بعيشه ” أننا نكون من الساخرين أن نحن أطلقنا كلمة التجربة على ما ليس تعلما أو جمعا لمعرفة الحقائق فالتجربة تفترض ابتداء القصد والذكاء كما تعني ضمنا عالما طبيعيا بوسع المرء أن يتعلم فيه كيف يحيا حياة أفضل بممارسة الفنون .
فأذا صارت الأنسانية إلى الأيمان بالحياة ، إلى التجربة ودروسها ، أصبح للأدب مهمة لايمكن اداؤها بالقضاء على الجوهر ورفض المعنى ، وتحاشي النقل والتوصيل ، ومعالجة التجربة عن بعده أو النظر إلى الفرد كأنما هو يعاني التجربة وحده في عالم منعزل ، فالتأمل في الفن من حيث
علاقته متصلا بالحياة يؤدي مباشرة إلى التأمل في الحياة لدى الأحياء . وأذا جعلت التجربة مادة
للفن فلابد للتجربة نفسها من أن تخصب وتغتني . وأذا وثقنا بإن التجربة تستطيع تزويدنا بالمعاني . وجب أذن ان تتحسن التجربة الأساسية نفسها . واذا كان اشد امتدادات التجربة الحاحا اذا اردنا انقاذ الحضارة . هو التكامل الأجتماعي ، وجب أذن أن يتم نقل التجربة وتوصيلها من الفنان إلى الجماهير . واتخاذ تجربة الأنسانية احدى مهمات الفنون الجميلة .
ـ أن الفن يدرب الغريزة الجميلة لمقاومة الغريزة التملكية ، لأن الغريزة الجمالية تمنحنا القوة على التمتع بالأشياء دون النزول إلى مستوى الحاجة إلى تملكها ”
ـ ان مادة الأدب تستمد من البشرية والتجربة الأنسانية ثم تعود منتعشة في ثوب جديد من التأويل
ليتسلمها الناس من جديد فتصبح مرة أخرى جزءا من تجربتهم . والفنان في هذه العملية هو الوسيط والوسيلة .
ويتبين أن الفن أوالفنان لن يجد فائدة في الأنفصال عن المجتمع الأكبر فهذا المجتمع لكليهما ، وبمعنى مزدوج مصدر الحياة وينبوعها .
ـ أحدى هذه الحقائق الظاهرة هي أن بوسع الفرد ذاتها أذا كان من العظمة بمكان ، أن يكون علميا وشاعريا نفاذ العلم ، ويخزن كمية من المعرفة ، وهكذا دون أن يكف عن شاعريته يسترد أو يحفظ مكانه القديم من طليعة الثقافة الأنسانية ، ولكن عليه تحقيقا لهذا الغرض . أن يكون كبيرا
عظيما .
ـ أن أمامنا بعد مملكة شاسعة من الجهل يحق فيها للأديب أن يعمل الحزر والحدس بقدر ما يحق
للعالم . بل إن حقه في ذلك أكبر لأنه من يسئ استعمال سلطة العلم ـ الذي ينشأ عن خطة مضادة
لكي يضفي على التخمينات الأدبية قد تفلح في زرع بذرة فرضية جديدة يغذيها بعد ذلك أهل العلم فتثمر معرفة محققة .
ـ أن الكاتب العبقري ، بمواهبه الخيالية الفائقة يستطيع أن يجعل نفسه عالميا ، ويطفر فوق الحواجز التي تبدو كأن من المستحيل تخطيها . حواجز العرق ، الجنس والزمن .
ـ أن الفنون كلها في بعض المعاني ، ذات دعوة لأنها تعكس رؤية ما للعالم وتنشرها بين الناس
ومهمة الفنان هو أن يمنع هذا الغرض ملموسا . ولكي ينجح في مثل هذه المهمة لابد له من مهارة فائقة . الأدب الصالح هو الأدب الذي يثيرهم أهتمام أخيه الأنسان . ومعنى ذلك قد يكون كل ما يثير هم الكاتب نفسه . قد يثير الأدب الدعاوي ذو الأفق الضيق أناسا أكثر اليوم ، وأقل غدا
أما الأدب الذي يستهدف أغراضا أوسع وأعم ، من غير دعاية متعمدة ويدور حول موضوعات قليلة الصلة بالأقتصاد والسياسة ، فقد يهمل اليوم ولكنه قد يغدو مقروءا على نطاق أوسع في الجيل القادم .
ومهما يكن من أمر الأدبي لن ينقذه من غائلة الزمن أويجعله خليقا بالقراءة ما فيه من عقائد يتشبث بها المؤلف بل مافيه من ميزة العمق وجودة النسج اللتين يتسم بهما خيال المؤلف وتفكيره.






