من إحدى المميزات الأساسية للشخصية المصابة بمرض السلطة تكمن في تحولها إلى أداة للقمع والاضطهاد السلطوي.بمعنى آخر تتحول هذه الشخصية إلى فاعل على أعناق الذين يعملون تحت إدارتها وبنفس الوقت تعمل هذه الشخصية كمفعول به تحت خدمة السلطة العليا.لذا تكتسب هذه الشخصية أسوأ صفات الذات والموضوع في آن واحد.يمكن القول وبكل سهولة بإن هذه الخصوصية هي إحدى أهم خصائص المستبدين والطغاة النماردة والفراعنة في العصر الراهن.
فمثلا” الرئيس السوري بشار الأسد يمثل بشخصيته الاستعلائية والمتكبرة الفاعل والذات المستبدة والمطلقة على رقاب المجتمع السوري،وبنفس الوقت يمثل مفعول به وأداة يتم إستخدامها من جانب أمريكا وإنكلترا والنظام العالمي الحاكم.
علينا تقييم هذه الشخصية أكثر ، لاننا في هذه الجغرافيا المسماة بالشرق الأوسط عانينا وما زلنا نعاتي من آلام فقدان التوزان فيما بين الفرد والمجتمع وتحول المجتمع إلى قطيع ينتظر الراعي لكي يديره حسب مشيئته ومشيئة اسياده من وراء البحار . فممارسة القمع والضغط وكل أنواع الظلم والعبودية ضد القاعدة الجماهيرية تحول إلى عنوان للبطولة يتباهى بها الحكام من امثال بشار الاسد وحسني مبارك واحمدي نجاد كما تباهى بها صدام حسين بأكثر الاشكال فظاظةً. هؤلاءيجيدون لعب دور هذه المعادلة بشكل جيد . فإلى جانب ممارستهم للقمع والابادة الجماعية ضد مجتمعاتهم ، فهم يقفون وقفة العبيد والبؤساء امام النظام العالمي المهيمن ويتصرفون بمقتضى الامر والتعلميات والتوجيهات الآتية من لندن وواشنطن وبروكسيل .
كثيراً ما نصادف مثل هذه الشخصية الهزيلة والمنهارة في كل المجتمعات ضمن جغرافيا الشرق الاوسط . فلنذهب الى قرية كردستانية أو عربية أو تركية يتواجد فيها المختار او الآغا أو رئيس العشيرة ، فإننا سنرى بأنه يمثل دور الفاعل والبطل والدكتاتور ويمارس كل أنواع الاضطهاد ضد أبناء جلدته ، بينما يقف بإستعداد ذليلا وهزيلا امام رجال الدولة من الشرطة وعناصر الامن وغيرهم .
لذا فان هذه الشخصية فاعلة و ذات مستبدة تمثل دور الفرعون والنمرود ضد ابناء قريتها وعشيرتها وبنفس الوقت فهي مفعول به واداة لا حول لها ولا قوة امام الدولة ورجالاتها .
يمكن رؤية هذه المعادلة السلبية ضمن العائلة . فالرجل العبد فاعل ومستبد على المرأة والاطفال في العائلة ، بينما يتحول هذا الاسد المتكون من الورق الى موضوع وأداة او شيئ يتم استخدامه في مركز الشرطة . كما أن المرأة التي لاحول لها ولا قوة امام الرجل، تلعب دور الرجل المستبد على الأطفال عندما يكون الرجل خارج البيت . لذا نرى في هذه الحالة وضمن إطار هذه المعادلة بان المجتمع في الشرق الاوسط بشكل خاص وفي العالم بشكل عام قد فقد توازنه الايجابي وعلاقاته المجتمعية واخلاقيته الانسانية النبيلة .
الى جانب هذه الحالة المأساوية ، هناك مصيبة وماسات اكبر لان المعارضة السياسية والاجتماعية في المنطقة بعيدة عن فلسفة وذهنية وتوجهات ايديولوجية لتغيير هذه المعادلة السلبية وتصحيح العلاقات الاجتماعية وتحويل المجتمع الى فاعل وذات يدير نفسه بنفسه وعلى اساس ديمقراطي بالاستناد الى القيم الاخلاقية المجتمعية ذات الجذور التاريخية الممتدة الى عصر الامومة النيوليتي . أذا استثنينا حركة حرية كردستان بقيادة حزب العمال الكردستاني التي تعمل من اجل إعادة بناء المجتمع عبر تحويله الى ذات فاعلة على قاعدة التوجيه والتدريب الايديولوجي المكثف وضمن إطار مبدأ ( الجماعة من اجل الفرد والفرد من اجل الجماعة ) ، فاننا لا نرى اية معارضة اخرى تعمل من اجل تحويل المجتمع الى ذات فاعلة ضد الفراعنة والنماردة العصريين . والمرافعة الاخيرة للقائد عبدالله أوجلان توضح لنا وبكل جلاء فلسفي وفكري ، بانه بدون اخراج المجتمع من حالة مفعول به والوصول به الى حالة فاعل ، فان أفاق الحرية و الديمقراطية الحقة سوف لن ينفتح امام شعوب المنطقة والعالم باسره .
حسين شاويش – كاتب وسياسي كوردي
