أخبارالمزيدمقالات

نور الدين صوفي.. القيادي ومناضل كردستان

زكي بدران

كان للرفيق نور الدين صوفي جهود كبيرة وعظيمة في هزيمة داعش وتأسيس وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية. ومع انطلاق الثورة في روجافا، حظي بمكانة خاصة في قلوب شعوب كردستان كافة كثوري يرسّخ قيم التشاركية والمعرفة.

 

الكتابة عن بعض الأشخاص أمر في غاية الصعوبة، إذ يتردد الإنسان بين أن يكتب أو لا يكتب، ويعيش لحظات من التردد، متسائلاً إن كانت كلماته ستوفيهم حقهم أم ستفقد المعنى الحقيقي لما يريد التعبير عنه.

 

بعض الأشخاص خاصّون جداً، فحتى لو كانوا متواضعين ولا يرون أنفسهم مختلفين عن الآخرين، فهم مختلفون حقاً. لو حاولت أن تُقدّرهم حق تقديرهم، يلزمك أن تكون كاتب سيرة بارعاً أو أديباً متمكناً. نحن لسنا من هؤلاء، فنحن لسنا أدباء متمكنين أو كتّاب سيرة بارعين، لذا نقول: “إن لم نكتب عنهم، فلن يُكتب؛ وحتى مقالة قصيرة قد تفي بالغرض وسيكون جيداً.”

 

وُلد نور الدين صوفي في روج آفا، أصغر أجزاء كردستان، حيث أمضى طفولته ودراسته الثانوية مع عائلته. وغادر المنزل بعد التحاقه بالجامعة، حيث شارك بنشاط في أعمال حزب العمال الكردستاني، لكنه لاحقًا شعر بأن نشاطات الشبيبة لا تكفيه، فترك الدراسة الجامعية وانخرط في الحركة.

 

كان نور الدين صوفي شخصاً مفعماً بالنشاط وذكياً للغاية، حساساً وفضولياً تجاه محيطه، ويتمتع بشخصية منفتحة على الروح الرفاقية، ومولعاً بالقراءة والبحث، ونشيطاً لا يهدأ، بهذه الصفات، يُمكن اعتباره من مدرسة كمال بير، إذ استحق بتفانيه والتزامه وشجاعته الانتماء إليها، حيث يمثل كمال بير نموذجاً للمناضل الذي عاش الآبوجية حتى النهاية، ولم يعرف أي عوائق أوعقبات.

 

كان صوفي، من جهة، يمتد نحو مظلوم؛ كمناضل متعدد الجوانب يحب القراءة والبحث. كان يقول: “لا أعلم إن كنت مناسباً لحزب العمال الكردستاني، لكن حزب العمال الكردستاني بالضبط يناسبني”، فعندما كان يشارك في أي عمل، يشارك تماماً، مضحياً بنفسه بلا حدود.

 

ففي هذه الحياة المفعمة بالحركة والنشاط، خصص صوفي وقتاً للأدب والشعر، حيث كان عالمه الداخلي غنياً جداً، في الوقت نفسه، كان طفلاً لا يكبر ولا يهدأ، كان ممن حافظوا على سمات طفولته وعالمه الداخلي ونقائه، كان متواضعًا جداً، واعتبر خدمة رفاقه وشعبه بمثابة عبادةً، كان يذهب إلى أي مهمة يُدعى إليها، أينما دعت الحاجة، لا يعرف معنى التعب، وكان شخصاً طيباً لا يكف عن العطاء.

 

وانطلق نور الدين صوفي نحو الجبال بلا تردد، متعلقاً بها بشغف كبير. حيث أمضى شبابه، أكثر فترات حياته نشاطًا وحيوية، بين أحضانها، صار يتحدث لغة الجبال، متدفقاً كرياحها، وسرعان ما أصبح جبلياً روحاً وجسداً، متعمقاً أكثر في ارتباطه بالحرية وشعبه

 

بفضل ذكائه واجتهاده ونشاطه، أصبح نور الدين صوفي مقاتلاً وقيادياً بارعاً، وتم اختياره قائداً عامًا لقوات الدفاع الشعبي، وبالطبع، لم يكن توليه قيادة قوات الدفاع الشعبي في سن مبكرة، كشخص من أصغر أجزاء كردستان، أمراً اعتيادياً وطبيعياً.

 

كان صوفي يتحلّى بقيم إنسانية أساسية ومبادئ أخلاقية عالية، ويقدّم كل ما لديه لرفاقه، سرعان ما كان يندمج في المنطقة والمجتمع الذي ذهب إليهم، فقد كان يتمتع بروح دعابة قوية ومبتكرة، كما يُقال عنه كثيراً: “كان صغيراً مع الصغار، كبيراً مع الكبار”، فعندما يكون المرء برفقته، يشعر بالأمان، ولم يكن لديه كلمة لا؛ فقد كان دائماً يجد ويجمع ويحقق كل ما يريد، حيث كان يفكر دائماً برفاقه ومحيطه قبل أن يفكر بذاته، وكان يراقبهم.

 

كان نور الدين صوفي يتمتع بمعرفة تاريخية عميقة وقدرة تفسيرية قوية. لم يقتصر تميزه على قوته العملية والعسكرية فحسب، بل كان يسعى باستمرار لتطوير نفسه من منظور نظري وإيديولوجي، محاولاً الجمع بين توجهه النظري والعملي، كما يجب ألا ينسى المرء أنه كان يهتم بالفلسفة ويوليها اهتماماً خاصاً.

 

وعاش نور الدين صوفي منغمساً في العلم والمجتمع والأدب والفن؛ فنحن نتحدث عن مقاتل للكريلا وقيادي ورائد له عالم غني، وعندما نزل من قمم الجبال إلى روج آفا، بدا كطائر يحلق في السماء.

 

كان نور الدين صوفي رائداً للشعب بكل معنى الكلمة، لم ينفصل عنهم على الإطلاق كروح وفكر، بل كان صادقاً معهم بشكل سريع، وأدى دوراً ريادياً في تأسيس الكومينات والمجالس وكل المنظمات التي أسست الإدارة الذاتية، وشغل مهام رفيعة المستوى في الأنشطة العسكرية.

 

وكان له جهود كبيرة وعظيمة في هزيمة داعش وتأسيس وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية. ومع انطلاق الثورة في روجافا، حظي بمكانة خاصة في قلوب شعوب كردستان كافة كثوري يرسّخ قيم التشاركية والمعرفة. وأصبح قيادياً ومناضلاً لكردستان بأكملها، وليس روج آفا فقط.

 

كان دائماً يسعى في كل وقت وفي كل مكان لتحقيق الهدف الرئيسي، وهو متابعة القائد آبو، وأن يكون من أحد تلامذته الجيدين، وآمن بجهود القائد في سبيل حرية المرأة، وسعى قدر الإمكان أن يكون رفيق درب للرفيقات بما فيه الكفاية.

 

إن القول إنه باستشهاد صوفي قد تلاشى نجمٌ من السماء هو قولٌ غير صحيح؛ فهو سيبقى حياً في قلوب ونضال رفاقه وشعبنا العريق، فما يقع على عاتقنا هو أن نكون جديرين بـ صوفي

اترك تعليقاً

المقالات الأكثر قراءة

تحقق أيضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى