
كان وجود عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، في سوريا واحداً من أبرز أسباب التوتر بين دمشق وأنقرة في نهاية القرن الماضي. بعد تأسيس الحزب في أواخر السبعينيات وبدء نشاطه المسلح ضد الدولة التركية، وصل أوجلان إلى سوريا عام 1979، بعد أن ضيقت عليه السلطات التركية الخناق.
في تلك الفترة، كانت العلاقة بين سوريا وتركيا متوترة بسبب عدة قضايا، منها مشكلة لواء إسكندرون (هاتاي) وملف مياه نهر الفرات. رأت دمشق في أوجلان وحزبه وسيلة ضغط على أنقرة، فسمح له النظام السوري بالإقامة في دمشق، كما سُمح للحزب بإنشاء معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني الذي كان تحت النفوذ السوري في تلك المرحلة.
علاقة النظام السوري بحزب العمال الكردستاني
لم يكن دعم النظام السوري للحزب نابعًا من تعاطف أيديولوجي أو تبنٍّ للقضية الكردية، بل من حسابات سياسية تتعلق بعلاقاته المتوترة مع تركيا. وُضع شرط واضح من دمشق يقضي بعدم قيام الحزب بأي نشاط داخل سوريا أو ضدها، مقابل السماح له بالتحرك بحرية نسبية طالما كانت أنشطته موجّهة ضد الدولة التركية فقط.
تزايد الضغوط التركية
مع مرور الوقت، ازدادت الضغوط التركية على سوريا، إذ كانت أنقرة تعتبر أن وجود أوجلان على الأراضي السورية يشكل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وفي عام 1998 بلغت الأزمة ذروتها، عندما حشدت تركيا قواتها على الحدود الجنوبية ووجهت تهديدات علنية ضد دمشق، مطالبة بإيقاف نشاط الحزب وإنهاء وجود أوجلان في سوريا.
مغادرة أوجلان من سوريا
تحت تصاعد التوتر، ومع اقتراب احتمال حدوث مواجهة عسكرية، اختار أوجلان مغادرة سوريا حفاظًا على أمنها الداخلي ولتفادي أي صدام بين البلدين. في 09 / 10 / 1998 غادر متجهًا إلى روسيا، ومنها بدأ رحلة معقدة بين إيطاليا واليونان وعدة دول أخرى، بحثًا عن مكان آمن. لكن الضغوط التركية والدولية جعلت معظم تلك الدول ترفض استقباله.
الاعتقال في كينيا
في بداية 02 / 1999، وصل أوجلان إلى كينيا بمساعدة شخصيات يونانية، إلا أن وجوده هناك لم يدم طويلاً. ففي 15 / 02 / 1999، نفذت المخابرات التركية عملية سرية في العاصمة نيروبي انتهت باعتقاله ونقله إلى تركيا، حيث ما زال محتجزًا حتى اليوم.
ما بعد خروج أوجلان
مغادرة أوجلان من سوريا شكّلت نقطة تحول في العلاقة بين دمشق وأنقرة. بعد فترة قصيرة، تم توقيع اتفاقية أضنة، التي نصت على التزام سوريا بعدم السماح بأي نشاط لحزب العمال الكردستاني داخل أراضيها.
بهذا الحدث، فقد الحزب أهم قاعدة له في المنطقة، وبدأت مرحلة جديدة من تاريخه، بينما أظهرت الأزمة كيف كانت الأنظمة الإقليمية تستغل القضية الكردية لخدمة مصالحها السياسية دون أن تقدم حلولًا حقيقية للشعب الكردي.