عندما نظرت الى الخلف ما وجدت سِوى المدينة وقد دنت المعارك منها
انضممت الى وحدات حماية المرأة في عام 2013 في ديرك وهناك اشتبكنا مع مرتزقة أحرار الشام حينها استشهد رفيقان، الرفيق آرارات من سرحد و الرفيق دلكش من آمد. كانت المرة الأولى التي يستشهد الرفاق أمامي حيث كنا من نفس الكتيبة وكنا قد انضممنا سوية الى صفوف وحدات الحماية، كان الرفيقان في مقدمة الهجوم. في تلك المعركة كان هناك جناحان للهجوم حيث كنت معهم و كانا رفيقين حيويين و ذوي معنويات عالية و كنا نعرف بعضنا في السابق ايضاً بعد ذلك دامت هذه المعارك لفترة وقد تأثرت بشهادة هؤلاء الرفاق عاطفياً ولكني فيما بعد استطعت تجاوز هذه الأحداث. ثم ذهبت الى سري كانية وهناك ايضاً استشهد الرفيق سيبان و الرفيق باران كوباني والعديد من الرفاق الآخرين امثال الرفيق جيا و رفيقة من ديرك لا اذكر اسمها، استشهدوا حيث كنا معاً، في الحقيقة كانت فترة صعبة وذات مشقات كثيرة وعندما أتينا كانت المعارك طاحنة وثقيلة كان الرفاق ذو معنويات عالية وكنت هناك حينها الى جانب الرفاق في خنادق القتال واكتسبت منهم ايضاً تلك الحرارة والمعنويات ورغم جميع الصعاب والمشقات والشهادات أيضاً كان هناك عدد من الإصابات التي كانت تحدث بين رفاقنا. لكن ذلك لم يكسر روح الرفاقية التي كانت بيننا، وكان متواجداً وقتها الرفيق سمكو والرفيق دلدار والرفيق جِكر الذين استشهدوا في الحسكة فيما بعد.
انتقلت الى مقاطعة كوباني بعد ذلك وهنا ذهبت الى الجبهات الامامية في القرى. في قرية خراب عطو حدثت هجمة قوية على إحدى نقاط رفاقنا، في تلك المعركة استشهد عدة رفاق ووقع بعض شهداءنا في يد العدو واذكر وقتها كان الخال حميد والرفيق شرفان والرفيقة هيفي والرفيقة برفين التي كانت آمرةً لفصيلة والرفيقة أمارا والعديد من الرفاق الآخرين الذين كانوا معنا حينها، قد استشهدوا في تلك المعركة وكان العدو قد مثل بجثث شهداءنا وهذا إثر علينا كثيرا وأزعجنا وبعد فترة قام المرتزقة بهجوم شامل وواسع بكل تقنياته الموجودة من دبابات ومدرعات ومدافع بشكل وحشي وهمجي لا يمكن للإنسان تصوره. وهناك رغم المقاومة والتصدي البطولي الذي كان يبديه رفاقنا إلا أنه عند رؤية رفاقنا يستشهدون، كنا آن ذاك نصاب بإحباط مؤقت. بقينا لفترة في القرى التي شهدت مقاومات بطولية. في تلة الشهيد زاغروس في كوباني حدث هجوم آخر قوي استشهد بعض الرفاق ومنهم الشهيد مصطفى والشهيد آواز وبعض الرفاق الاخرين الذين لا اذكر اسمائهم وكان هناك عدد من الرفاق المصابين والشهيد خليل حيث كان مواطناً شارك في القتال. بعد ذلك انسحابنا الى النقاط الخلفية وكان هناك الرفيق اورهان الذي استشهد ايضاً في ذلك الهجوم حيث كان معنا في الصفوف الامامية في الخنادق التي كانت أمام قرية جب الفرج حيث استحضرت الدبابات التي استطاعت ان تقترب كثيرا منا وهناك قام الرفاق بمقاومة بطولية امام تلك الدبابات وقتها قامت الدبابات بضربنا فأصيب الرفيق كفر بإصابات عميقة استشهد أثناء إسعافه بسبب جروحه العميقة كما الشهيد اورهان والذي كان شاباً يافعاً انضم إلى القتال منذ مدة قصيرة. هناك قدم الرفاق مقاومة قوية حيث كان القتال صعباً والمعارك طاحنة. بالقرب منا في قرية تعلك حدثت المقاومة نفسها والتصدي نفسه ورغم أننا لم نكن هناك لكننا علمنا بمقاومتهم حيث كان هناك الرفيق باران الذي كنت أعرفه حيث قاتل الرفيق بروح فدائية حتى النهاية وقام بتفجير قنبلته اليدوية في نفسه عندما نظر خلفه قال في قرارة نفسه ثم جهر بذلك للرفاق عن طريق الجاهز اللاسلكي قائلاً (عندما نظرت الى الخلف ما وجدت سوى المدينة وقد دنت المعارك منها) فأبى أن ينسحب وقام بعمليته الفدائية بتوجيه رسالة إلى العدو بأننا لن نستسلم، في الحقيقة في كل مرة كنا نسمع باستشهاد احد الرفاق كنا نتأثر اكثر لأنه من الصعب علينا أن نشهد كل تلك الأحداث.
يعجز اللسان عن وصف تلك المعركة بل مهما حاولنا وصفها لن نعطي هذه المعركة حقها بالأخص الشهداء الذين قدموا حياتهم في سبيل هدفنا وروحنا الثورية والنضالية، قدموا حياتهم في سبيل الجمال الذي كانوا قد رأوه في الروح الأبوجية (الأوجانية) والرفاقية. التنظيم الذي بدأ بمجموعة ايديولوجية صغيرة لكن الآن أصبح ملايين الناس يتبعون ايديولوجية القائد، لذلك فان المعرفة في مستوى الفهم والمعرفة التنظيمية عندما يتم بنائها هذا يجعل المرء يرتبط أكثر بالحياة، الحياة الصحيحة ليست سهلة، حياة صنعت بالدماء وتم نقشها بحروفٍ من ذهب. لذلك عند النطق بكل كلمة من أجل أحد الشهداء فان تلك الكلمة ترجعك الى تلك الاوقات وانا عندما اقول هذه الكلمات أعود ثلاث سنوات الى الوراء وهناك بعض الرفاق يرجعون سنين اكثر الى الوراء, المرور بتلك الصعاب وتجاوزها في فترة الانسحاب الى المدينة حيث كان العدو يهجم بشدة وقوة على رفاقنا مستعملاً كل الاسلحة الثقيلة وكل اشكال التقنيات المتطورة التي كانت بحوزتهم، شيء يصعب وصفه باللسان وعندما يفكر المرء في ذلك، يقول في نفسه هل كانت حقيقة ام خيال، يفكر المرء في ذلك لكن التفكير لا يكفيه احياناً لكنها كانت هناك حقيقة على أرض الواقع، الكثير من رفاقنا الذين بنوا لنا هذه الحياة وحفروا ذكرياتهم فيها، وما يتوجب علينا هو ان نتذكرهم ونتذكر سبب تضحياتهم لكن مع الأسف نحن أيضاً لا نستطيع أن نعبر عن ما في داخلنا اتجاههم و ذكر الحقيقة التي عاشوها على اللسان بشكل كاف. معركة مدينة كوباني كانت فترة طويلة تتجاوز 120 يوم كنت في المدينة وقتها لكن الكثير من الرفاق الذين استشهد البعض منهم وأُصيب بعض آخر كانت رفقتهم و العيش معهم في تلك الفترة شيء جميل وممتع رغم جميع الصعاب والمشقات، حيث كنا في بض الاوقات لا نجد الفرصة لنأكل كسرة خبز لمدة 10 أو15 يوم و أحياناً 20 يوماً لأن الحياة هناك كانت قد توقفت، غير القتال والمعارك لم يكن هناك شيء آخر، الأكل والشرب كان قد قَل أيضاً. تلك المقاومة عندما نتذكرها تحضر العديد من الذكريات الكبيرة معها.
بعدها بدأت حملة تحرير مدينة كوباني، ولكي نحرر تلة مشته نور تقدمت مجموعاتنا الأولى لمسافة محددة وكان هناك مجموعة أخرى تتقدم وتفتش من الطرف الآخر وصلت الينا ثم رجعت إلى الخلف ثم نحن تابعنا التقدم وبدأنا بالكشف والسيطرة حتى ولو بقدرٍ قليل في تلك الأوقات من أجل السيطرة على تلة مشته نور ووضعها تحت سيطرتنا كان كل منا يحمل الرايات YPJ-YPG في جيوبنا و كل منا يقول أنا الذي سأصل أولاً و سأرفع الرايات فوق قمة مشته نور، أنا كرفيقة في هذا النضال من المهم أن أقدر العيش بهويتي و هناك بقدر المستطاع عشت و لعبت دوري هناك. استمرت مرحلة تحرير كوباني لمدة ربما لم نستطع العيش فيها بشكل كامل حيث كانت قد بدأت حملة التحرير في المساء وحتى صباح اشتد القتال مع العدو وكنا قد حوصرنا في ذلك الوقت من قبل العدو حيث اصيب عدة رفاق ووصل عدد آخر الى مرتبة الشهادة، ربما لمن نكن في جميع مجموعات الرفاق ولم نرى ما كان يجري معهم لكنا كنا نتابع بعضنا عبر الأجهزة اللاسلكية ونسمع بشهادات الرفاق وكان هناك بينهم من أعرفه. هناك أيضاً اخذت مكاني عندما حُصِرنا من قبل العدو، كانت أوقات عصيبة وهناك أصيب أحد الرفاق كان الرفيق آمد كان صوران في ذلك الوقت طلبنا من الرفاق عدم أرساله معنا لكنه أصر على المجيء، عندما اصيب ذلك الرفيق تأثرت كثيراً به كان بيننا وكان فدائياً في العمل حيث كان مساعد قائد الجبهة وقتها. بعد إصابة ذلك الرفيق قمنا بتغيير موقعنا حيث كنا قريبين من الاعداء بحيث كنا نسمع أصوات بعضنا بسهولة، حيث كنا في نفس البناء نحن في الأعلى والعدو في الاسفل وفي ذلك الوقت كما الرفاق الاخرين، انا ايضاً أصبت لكن وصف الإصابة و تعبير عنها صعب بالنسبة لي، ربما الرفاق الآخرين يستطيعون وصفها بشكل افضل من وصفي لها وفي تلك الاوقات كان الرفاق الذين ينسقون القتال ينادونني عبر الأجهزة ولكنني لم أرد و لم أرغب في اخبارهم عن إصابتي و كان الرفاق من حولي أيضاً قد تأثروا بإصابتي وكان الرفيق حقي قد أصيب في رأسه أيضاً وأصبح يصارع الموت وعند رؤيتي له نسيت إصابتي وكانت رغبتي هي إنقاذ الرفيق حقي والرفاق الأخرين وحاول العديد من الرفاق إخراج الشهداء والمصابين لكن العدو كان قد احكم الحصار علينا ثم حاولنا المجازفة والخروج من هذا الحصار واستطعت بالفعل الخروج، كان هناك رفاق آخرين وقعوا في الحصار في نفس المكان قبلنا ببعض الوقت وكانوا ما يزالون هناك منذ يومين، برغم من اننا استطعنا الخروج من ذلك المكان إلا أن بعض الرفاق وقعوا في الحصار في نفس المكان في وقت لاحق وكان قد قُصف هذا المكان في وقت سابق أيضاً حيث كان مكاناً خطيراً وذو صعاب كثيرة، وانا عندما أتحدث الآن أجد صعوبة في الذكر وربما الكلمات لا تعطي تلك الأحداث حقها، لكن بفضل هؤلاء الشهداء الذين عشنا مع عدد كبير منهم وبفضل جهودهم وتضحياتهم وهؤلاء الرفاق الذين يضحون بجزء من جسدهم، حتى الآن وهذه الدقائق الأخيرة الشهادات التي تحدث، تؤثر فينا وبشكل كبير. لذلك أستطيع أن اذكر هؤلاء الرفاق بشكل أكبر بفضل جهود وتضحيات هؤلاء الرفاق الذين ساعدوا الحركة بشكل كبير وكان لهم الفضل في الانتصارات.
شيلان كابار